فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الثانية والعشرون: من فعل ذلك منهنّ فَرَحًا بحليهنّ فهو مكروه.
ومن فعل ذلك منهنّ تبرُّجًا وتعرُّضًا للرجال فهو حرام مذموم.
وكذلك من ضرب بنعله من الرجال، إن فعل ذلك تعجُّبًا حَرُم، فإن العُجْب كبيرة.
وإن فعل ذلك تَبَرُّجًا لم يجز.
الثالثة والعشرون: قال مَكِّيّ رحمه الله تعالى: ليس في كتاب الله تعالى آيةٌ أكثرَ ضمائر من هذه، جمعت خمسة وعشرين ضميرًا للمؤمنات من مخفوض ومرفوع.
قوله تعالى: {وتوبوا إِلَى الله جَمِيعًا أَيُّهَا المؤمنون} فيه مسألتان:
الأولى: قوله تعالى: {وتوبوا} أمْرٌ.
ولا خلاف بين الأمّة في وجوب التوبة، وأنها فرض متعيّن؛ وقد مضى الكلام فيها في النساء وغيرها فلا معنى لإعادة ذلك.
والمعنى: وتوبوا إلى الله فإنكم لا تخلون من سهو وتقصير في أداء حقوق الله تعالى، فلا تتركوا التوبة في كل حال.
الثانية: قرأ الجمهور {أَيُّهَ} بفتح الهاء.
وقرأ ابن عامر بضمها؛ ووجهه أن تُجعل الهاء من نفس الكلمة، فيكون إعراب المنادى فيها.
وضعّف أبو عليّ ذلك جدًّا وقال: آخر الاسم هو الياء الثانية من أي، فالمضموم ينبغي أن يكون آخر الاسم، ولو جاز ضم الهاء هاهنا لاقترانها بالكلمة لجاز ضم الميم في اللَّهُمَّ لاقترانها بالكلمة في كلام طويل.
والصحيح أنه إذا ثبت عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قراءة فليس إلا اعتقاد الصحة في اللغة، فإن القرآن هو الحجة.
وأنشد الفراء:
يأيُّهَ القلبُ اللّجُوجُ النّفس ** أفق عن البيض الحسان اللعس

اللَّعَس: لون الشَّفَة إذا كانت تضرِب إلى السواد قليلًا، وذلك يستملح؛ يقال: شَفَة لعساء، وفِتية ونِسوة لُعْس.
وبعضهم يقف {أَيُّهْ}.
وبعضهم يقف {أيّها} بالألف؛ لأن علة حذفها في الوصل إنما هو سكونها وسكون اللام، فإذا كان الوقف ذهبت العلة فرجعت الألف كما ترجع الياء إذا وقفت على {مُحلِّي} من قوله تعالى: {غَيْرَ مُحِلِّي الصيد} [المائدة: 1].
وهذا الاختلاف الذي ذكرناه كذلك هو في و{يأيّه الساحر}.
{يأيه الثقلان}. اهـ.

.قال أبو حيان:

{قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ}.
و{من} في {من أبصارهم} عند الأخفش زائدة أي {يغضوا} {أبصارهم} عما يحرم، وعند غيره للتبعيض وذلك أن أول نظرة لا يملكها الإنسان وإنما يغض فيما بعد ذلك، ويؤيده قوله لعليّ كرم الله وجهه: لا تتبع النظرة النظرة فإن الأولى لك وليست لك الثانية.
وقال ابن عطية: يصح أن تكون {من} لبيان الجنس، ويصح أن تكون لابتداء الغاية انتهى.
ولم يتقدم مبهم فتكون {من} لبيان الجنس على أن الصحيح أن من ليس من موضوعاتها أن تكون لبيان الجنس.
{ويحفظوا فروجهم} أي من الزنا ومن التكشف.
ودخلت {من} في قوله: {من أبصارهم} دون الفرج دلالة على أن أمر النظر أوسع، ألا ترى أن الزوجة ينظر زوجها إلى محاسنها من الشعر والصدور والعضد والساق والقدم، وكذلك الجارية المستعرضة وينظر من الأجنبية إلى وجهها وكفيها وأما أمر الفرج فمضيق.
وعن أبي العالية وابن زيد: كل ما في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزنا إلاّ هذا فهو من الاستتار، ولا يتعين ما قاله بل حفظ الفرج يشمل النوعين.
{ذلك} أي غض البصر وحفظ الفرج أطهر لهم {إن الله خبير بما يصنعون} من إحالة النظر وانكشاف العورات، فيجازي على ذلك.
وقدم غض البصر على حفظ الفرج لأن النظر بريد الزنا ورائد الفجور والبلوى فيه أشد وأكثر لا يكاد يقدر على الاحتزاز منه، وهو الباب الأكبر إلى القلب وأعمر طرق الحواس إليه ويكثر السقوط من جهته.
وقال بعض الأدباء:
وما الحب إلا نظرة إثر نظرة ** تزيد نموًا إن تزده لجاجا

ثم ذكر تعالى حكم المؤمنات في تساويهنّ مع الرجال في الغض من الأبصار وفي الحفظ للفروج.
ثم قال {ولا يبدين زينتهن} واستثنى ما ظهر من الزينة، والزينة ما تتزين به المرأة من حلّي أو كحل أو خضاب، فما كان ظاهرًا منها كالخاتم والفتخة والكحل والخضاب فلا بأس بإبدائه للأجانب، وما خفى منها كالسوار والخلخال والدملج والقلادة والإكليل والوشاح والقرط فلا تبديه إلا لمن استثنى.
وذكر الزينة دون مواضعها مبالغة في الأمر بالتصون والتستر لأن هذه الزين واقعة على مواضع من الحسد لا يحل النظر إليها لغير هؤلاء وهي الساق والعضد والعنق والرأس والصدر والآذان، فنهى عن إبداء الزين نفسها ليعلم أن النظر لا يحل إليها لملابستها تلك المواقع بدليل النظر إليها غير ملابسة لها، وسومح في الزينة الظاهرة لأن سترها فيه حرج فإن المرأة لا تجد بدًّا من مزاولة الأشياء بيدها ومن الحاجة إلى كشف وجهها خصوصًا في الشهادة والمحاكمة والنكاح، وتضطر إلى المشي في الطرقات وظهور قدميها خاصة الفقيرات منهنّ وهذا معنى قوله: {إلا ما ظهر منها} يعني إلاّ ما جرت العادة والجبلة على ظهوره، والأصل فيه الظهور وسومح في الزينة الخفيفة.
أولئك المذكورون لما كانوا مختصين به من الحاجة المضطرة إلى مداخلتهم ومخالطتهم ولقلة توقع الفتنة من جهاتهم ولما في الطباع من النفر عن مماسة القرائب، وتحتاج المرأة إلى صحبتهم في الأسفار للنزول والركوب وغير ذلك.
وقال ابن مسعود {ما ظهر منها} هو الثياب، ونص على ذلك أحمد قال: الزينة الظاهرة الثياب، وقال تعالى {خذوا زينتكم عند كل مسجد} وفسرت الزينة بالثياب.
وقال ابن عباس: الكحل والخاتم.
وقال الحسن في جماعة: الوجه والكفان.
وقال ابن جريج: الوجه والكحل والخاتم والخضاب والسوار.
وقال الحسن أيضًا: الخاتم والسور.
وقال ابن عباس: الكحل والخاتم فقط.
وقال المسور بن مخرمة: هما والسوار.
وقال الحسن أيضًا: الخاتم والسوار.
وقال ابن بحر: الزينة تقع على محاسن الخلق التي فعلها الله وعلى ما يتزين به من فضل لباس، فنهاهنّ الله عن إبداء ذلك لمن ليس بمحرم واستثنى ما لا يمكن اخفاؤه في بعض الأوقات كالوجه والأطراف على غير التلذذ.
وأنكر بعضهم إطلاق الزينة على الخلقة والأقرب دخوله في الزينة وأي زينة أحسن من خلق العضو في غاية الاعتدال والحسن.
وفي قوله: {وليضربن بخمرهنّ على جيوبهنّ} دليل على أن الزينة ما يعم الخلقة وغيرها، منعهنّ من إظهار محاسن خلقهنّ فأوجب سترها بالخمار.
وقد يقال لما كان الغالب من الوجه والكفين ظهورها عادة وعبادة في الصلاة والحج حسن أن يكون الاستثناء راجعًا إليهما، وفي السنن لأبي داود أنه عليه السلام قال: «يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح أن يرى منها إلاّ هذا وأشار إلى وجهه وكفيه» وقال ابن خويز منداد: إذا كانت جميلة وخيف من وجهها وكفيها الفتنة فعليها ستر ذلك، وكان النساء يغطين رؤوسهنّ بالأخمرة ويسدلنها من وراء الظهر فيبقى النحر والعنق والأذنان لا ستر عليهنّ وضمَّن {وليضربن} معنى وليلقين وليضعن، فلذلك عداه بعلى كما تقول ضربت بيدي على الحائط إذا وضعتها عليه.
وقرأ عياش عن أبي عمرو {وليضربن} بكسر اللام وطلحة {بخمرهنّ} بسكون الميم وأبو عمرو ونافع وعاصم وهشام {جيوبهن} بضم الجيم وباقي السبعة بكسر الجيم.
وبدأ تعالى بالأزواج لأن اطلاعهم يقع على أعظم من الزينة، ثم ثنى بالمحارم وسوى بينهم في إبداء الزينة ولكن تختلف مراتبهم في الحرمة بحسب ما في نفوس البشر، فالأب والأخ ليس كابن الزوج فقد يُبدي للأب ما لا يبدى لابن الزوج.
ولم يذكر تعالى هنا العم ولا الخال.
وقال الحسن: هما كسائر المحارم في جواز النظر قال: لأن الآية لم يذكر فيها الرضاع وهو كالنسب، وقال في سورة الأحزاب {لا جناح عليهن في آبائهن} ولم يذكر فيها البعولة وذكرهم هنا، والإضافة في {نسائهن} إلى المؤمنات تقتضي تعميم ما أضيف إليهن من النساء من مسلمة وكافرة كتابية ومشركة من اللواتي يكن في صحبة المؤمنات وخدمتهن، وأكثر السلف على أن قوله: {أو نسائهن} مخصوص بمن كان على دينهن.
قال ابن عباس: ليس للمسلمة أن تتجرد بين نساء أهل الذمة ولا تبدي للكافرة إلاّ ما تبدي للأجانب إلاّ أن تكون أَمة لقوله: {أو ما ملكت أيمانهن} وكتب عمر إلى أبي عبيدة أن امنع نساء أهل الذمة من دخول الحمام مع المؤمنات.
والظاهر العموم في قوله: {أو ما ملكت أيمانهن} فيشمل الذكور والإناث، فيجوز للعبد أن ينظر من سيدته ما ينظر أولئك المستثنون وهو مذهب عائشة وأم سلمة.
وعن مجاهد: كان أمهات المؤمنين لا يحتجبن عن مكاتبهن ما بقي عليه درهم، وروي أن عائشة كانت تمتشط وعبدها ينظر إليها.
وعن سعيد بن المسيب مثله ثم رجع عنه.
وقال ابن مسعود والحسن وابن المسيب وابن سيرين: لا ينظر العبد إلى شعر مولاته وهو قول أبي حنيفة.
وفي الحديث: «لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرًا فوق ثلاث إلاّ مع ذي محرم» والعبد ليس بذي محرم.
وقال سعيد بن المسيب: لا يغرنكم آية النور فإن المراد بها الإماء.
قال الزمخشري: وهذا هو الصحيح لأن عبد المرأة بمنزلة الأجنبي منها خصيًا كان أو فحلًا.
وعن ميسون بنت بحدل الكلابية: إن معاوية دخل عليها ومعه خصي فتقنعت منه، فقال: هو خصي فقالت: يا معاوية أترى المثلة تحلل ما حرم الله.
وعند أبي حنيفة لا يحل إمساك الخصيان واستخدامهم وبيعهم وشراؤهم، ولم ينقل عن أحد من السلف إمساكهم انتهى.
والإربة الحاجة إلى الوطء لأنهم بله لا يعرفون شيئًا من أمر النساء، ويتبعون لأنهم يصيبون من فضل الطعام.
قال ابن عطية: ويدخل في هذه الصفة المجنون والمعتوه والمخنث والشيخ الفاني والزمِن الموقوذ بزمانته.
وقرأ ابن عامر وأبو بكر بالنصب على الحال أو الاستثناء وباقي السبعة بالجر على النعت وعطف {أو الطفل} على {من الرجال} قسم التابعين غير أولي الحاجة للوطء إلى قسمين رجال وأطفال، والمفرد المحكي بأل يكون للجنس فيعم، ولذلك وصف بالجمع في قوله: {الذين لم يظهروا} ومن ذلك قول العرب: أهلك الناس الدينار الصفر والدرهم البيض يريد الدنانير والدراهم فكأنه قال: أو الأطفال.
و{الطفل} ما لم يبلغ الحلم وفي مصحف حفصة أو الأطفال جمعًا.
وقال الزمخشري: وضع الواحد موضع الجمع لأنه يفيد الجنس ويبين ما بعده أنه يراد به الجمع ونحوه {يخرجكم طفلًا} انتهى.
ووضع المفرد موضع الجمع لا ينقاس عند سيبويه وإنما قوله: {الطفل} من باب المفرد المعرف بلام الجنس فيعم كقوله: {إن الإنسان لفي خسر} ولذلك صح الاستثناء منه والتلاوة ثم يخرجكم بثم لا بالواو.
وقوله ونحوه ليس نحوه لأن هذا معرف بلام الجنس وطفلًا نكره، ولا يتعين حمل طفلًا هنا على الجمع الذي لا يقيسه سيبويه لأنه يجوز أن يكون المعنى ثم يخرج كل واحد منكم كما قيل في قوله تعالى: {واعتدت لهن متكأ} أي لكل واحدة منهن.